فصل: فَائِدَةٌ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البرهان في علوم القرآن (نسخة منقحة)



.فَائِدَةٌ:

قَدْ يُحْذَفُ مِنَ الْأَوَّلِ لِدَلَالَةِ الثَّانِي عَلَيْهِ وَقَدْ يُعْكَسُ وَقَدْ يَحْتَمِلُ اللَّفْظُ الْأَمْرَيْنِ.
فَالْأَوَّلُ: كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ على النبي} فِي قِرَاءَةِ مَنْ رَفَعَ (مَلَائِكَتَهُ) أَيْ إِنَّ اللَّهَ يُصَلِّي فَحُذِفَ مِنَ الْأَوَّلِ لِدَلَالَةِ الثَّانِي عَلَيْهِ وَلَيْسَ عَطْفًا عَلَيْهِ.
وَالثَّانِي: كَقَوْلِهِ: {يَمْحُوا الله ما يشاء ويثبت}، أَيْ مَا يَشَاءُ.
وَقَوْلِهِ: {أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ من المشركين ورسوله}، أَيْ بَرِيءٌ أَيْضًا.
وَقَوْلِهِ: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غير الأرض والسماوات}.
وقوله: {يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن لم يحضن}، أَيْ كَذَلِكَ.
وَجَعَلَ مِنْهُ أَبُو الْفَتْحِ قَوْلَهُ تعالى: {أسمع بهم وأبصر} التَّقْدِيرُ: وَأَبْصِرْ بِهِمْ لَكِنَّهُ حُذِفَ لِدَلَالَةِ مَا قَبْلَهُ عَلَيْهِ، حَيْثُ كَانَ بِلَفْظِ الْفَضْلَةِ وَإِنْ كَانَ مُمْتَنِعًا فِي الْفَاعِلِ.
وَهَذَا التَّوْجِيهُ إِنَّمَا يَتِمُّ إِذَا قُلْنَا إِنَّ الْجَارَّ وَالْمَجْرُورَ فِي أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ فِي مَحَلِّ الرَّفْعِ فَإِنْ قُلْنَا فِي مَحَلِّ النَّصْبِ فَلَا.
وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ والأرض ليقولن الله}، وَالتَّقْدِيرُ خَلَقَهُنَّ اللَّهُ فَحَذَفَ (خَلَقَهُنَّ) لِقَرِينَةٍ تَقَدَّمَتْ فِي السُّؤَالِ.
وَقَوْلِهِ: {سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ كَذَلِكَ نجزي المحسنين} وَلَمْ يَقُلْ: (إِنَّا كَذَلِكَ) اخْتِيَارًا وَاسْتِغْنَاءً عَنْهُ بقوله فيما سبق (إنا كذلك).
والثالث: كقوله: {والله ورسوله أحق أن يرضوه}، فَقَدْ قِيلَ: إِنَّ (أَحَقُّ) خَبَرٌ عَنِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَقِيلَ: بِالْعَكْسِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا}، فَالْفَائِدَةُ فِي إِعَادَةِ الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ أَعْنِي (بِهَا) لِأَنَّهُ لَوْ حُذِفَ مِنَ الثَّانِي لَمْ يَحْصُلِ الرَّبْطُ لِوُجُوبِ الضَّمِيرِ فِيمَا وَقَعَ مَفْعُولًا ثَانِيًا أَوْ كَالْمَفْعُولِ الثَّانِي لِـ: (سَمِعْتُمْ)، وَلَوْ حُذِفَ مِنَ الْأَوَّلِ لَمْ يَكُنْ نَصًّا عَلَى أَنَّ الْكُفْرَ يَتَعَلَّقُ بِالْإِثْبَاتِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقُ الْأَوَّلِ غَيْرَ مُتَعَلِّقِ الثَّانِي..

.الثَّامِنُ: الِاخْتِزَالُ:

وَهُوَ الِافْتِعَالُ مِنْ خَزَلَهُ قَطَعَ وَسَطَهُ ثُمَّ نُقِلَ فِي الِاصْطِلَاحِ إِلَى حَذْفِ كَلِمَةٍ أَوْ أَكْثَرَ. وَهِيَ إِمَّا اسْمٌ أَوْ فِعْلٌ أَوْ حَرْفٌ.

.الأول: الاسم:

.حذف المبتدأ:

فمنه حذف المبتدأ، كقوله تعالى: {ثلاثة} و: {خمسة}، و: {سبعة}، أي هم ثلاثة وهم خمسة وهم سَبْعَةٌ.
وَقَوْلِهِ: {قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فئتين التقتا فئة}، أَيْ إِحْدَاهُمَا، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ بَعْدَهُ: {وَأُخْرَى كَافِرَةٌ}.
وقوله: {بلاغ فهل يهلك}، أَيْ هَذَا بَلَاغٌ.
وَقَوْلِهِ: {بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ}، أَيْ هُمْ عِبَادٌ.
وَعَلَى هَذَا قَالَ أَبُو عَلِيٍّ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكُمُ النَّارُ}، أَيْ هِيَ النَّارُ.
وَقَوْلُهُ: {وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سوء العذاب النار}، أَيْ هُوَ النَّارُ.
وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ (النَّارُ) فِي الْآيَتَيْنِ مُبْتَدَأً وَالْخَبَرُ الْجُمْلَةُ الَّتِي بَعْدَهَا وَيُمْكِنُ فِي الثَّانِيَةِ أَنْ تَكُونَ النَّارُ بَدَلًا مِنْ (سُوءِ الْعَذَابِ).
وقوله: {فقالوا ساحر كذاب}، أي سَاحِرٌ.
وَقَوْلُهُ: {إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ}. {وقالوا أساطير الأولين}.
{وقل الحق من ربكم}، أَيْ هَذَا الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَيْسَ هَذَا كما يضلنه بَعْضُ الْجُهَّالِ أَيْ قُلِ الْقَوْلَ الْحَقَّ فَإِنَّهُ لَوْ أُرِيدَ هَذَا لَنَصَبَ (الْحَقَّ) وَالْمُرَادُ: إِثْبَاتُ أَنَّ الْقُرْآنَ حَقٌّ وَلِهَذَا قَالَ: {مِنْ رَبِّكُمْ}، وَلَيْسَ الْمُرَادُ هُنَا قَوْلَ حَقٍّ مُطْلَقٍ بَلْ هَذَا الْمَعْنَى مَذْكُورٌ فِي قَوْلِهِ: {وَإِذَا قُلْتُمْ فاعدلوا}، وَقَوْلِهِ: {أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ}.
وقوله: {سورة أنزلناها}، أَيْ هَذِهِ سُورَةٌ.
{مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا}، أَيْ فَعَمَلُهُ لِنَفْسِهِ وَإِسَاءَتُهُ عَلَيْهَا.
وَقَوْلِهِ: {وَإِنْ مسه الشر فيؤوس قنوط}، أَيْ فَهُوَ يَئُوسٌ.
{لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كفروا في البلاد متاع قليل}، أَيْ تَقَلُّبُهُمْ مَتَاعٌ أَوْ ذَاكَ مَتَاعٌ.
{وَمَا أدراك ما الحطمة نار الله الموقدة}، أَيْ وَالْحُطَمَةُ نَارُ اللَّهِ.
{إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كالقصر}، أَيْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا كَالْقَصْرِ فَيَكُونُ مِنْ باب قول: {فاجلدوهم ثمانين جلدة}، أي كل واحدمنهم وَالْمُحْوِجُ إِلَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الشَّرَرُ كُلُّهُ كَقَصْرٍ وَاحِدٍ وَالْقَصْرُ هُوَ الْبَيْتُ مِنْ أَدَمٍ كَانَ يُضْرَبُ على المال، ويؤيده قوله: {جمالت صفر}، أَفَلَا تَرَاهُ كَيْفَ شَبَّهَهُ بِالْجَمَاعَةِ أَيْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنَ الشَّرَرِ كَالْجَمَلِ لِجَمَاعَاتِهِ فَجَمَاعَاتُهُ إِذَنْ مِثْلُ الْجِمَالَاتِ الصُّفْرِ وَكَذَلِكَ الْأَوَّلُ شَرَرَةٌ مِنْهُ كَالْقَصْرِ قَالَهُ أَبُو الْفَتْحِ بْنُ جِنِّي.
وَأَمَّا قوله: {ولا تقولوا ثلاثة}، فقيل: إن (ثلاثة) خير مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: (آلِهَتُنَا ثَلَاثَةٌ).
وَاعْتُرِضَ بِاسْتِلْزَامِهِ إِثْبَاتَ الْإِلَهِيَّةِ لِانْصِرَافِ النَّفْيِ الدَّاخِلِ عَلَى الْمُبْتَدَأِ أَوِ الْخَبَرِ إِلَى الْمَعْنَى الْمُسْتَفَادِ مِنَ الْخَبَرِ لَا إِلَى مَعْنَى الْمُبْتَدَأِ وَحِينَئِذٍ يَقْتَضِي نَفْيَ عِدَّةِ الْآلِهَةِ لَا نَفْيَ وَجُودِهِمْ.
قِيلَ: وَهُوَ مَرْدُودٌ لِأَنَّ نَفْيَ كَوْنِ آلِهَتِهِمْ ثَلَاثَةً يَصْدُقُ بِأَلَّا يَكُونَ لِلْآلِهَةِ الثَّلَاثَةِ وُجُودٌ بِالْكُلِّيَّةِ لِأَنَّهُ مِنَ السَّالِبَةِ الْمُحَصِّلَةِ فَمَعْنَاهُ: لَيْسَ آلِهَتُكُمْ ثَلَاثَةً وَذَلِكَ يَصْدُقُ بِأَلَّا يَكُونَ لَهُمْ آلِهَةٌ وَإِنَّمَا حُذِفَ إِيذَانًا بِالنَّهْيِ عَنْ مُطْلَقِ الْعَدَدِ الْمُفْهِمِ لِلْمُسَاوَاةِ بِوَجْهٍ مَا فَمَا ظَنُّكَ بِمَنْ صَرَّحَ بِالشَّرِكَةِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثلاثة} وَقَالَ سُبْحَانَهُ: {وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ واحد} فَأَفْهَمَ أَنَّهُ لَوْ وُجِدَ الْإِلَهُ يَكُونُ غَيْرُهُ مَعَهُ خَطَأً لِإِفْهَامِهِ مُسَاوَاةً مَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {ثم الذين كفروا بربهم يعدلون} وَلَزِمَ مِنْ نَفْيِ الثَّلَاثَةِ لِامْتِنَاعِ الْمُسَاوَاةِ الْمَعْلُومَةِ عَقْلًا وَالْمَدْلُولُ عَلَيْهَا بِقَوْلِهِ: {إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ واحد} نَفْيُ الشَّرِكَةِ مُطْلَقًا فَإِنَّ تَخْصِيصَ النَّهْيِ وَقَعَ فِي مُقَابَلَةِ الْفِعْلِ وَدَلِيلًا عَلَيْهِ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ فِي اللَّهِ وَعِيسَى وَأُمِّهِ: ثَلَاثَةً.
وَنَحْوُهُ فِي الْخُرُوجِ عَلَى السَّبَبِ: {لَا تَأْكُلُوا الربا أضعافا مضاعفة}.
وَقَالَ صَاحِبُ (إِسْفَارِ الصَّبَاحِ): الْوَجْهُ تَقْدِيرُ كَوْنِ ثَلَاثَةٍ أَوْ فِي (الْوُجُودِ) ثُمَّ حُذِفَ الْخَبَرُ الَّذِي هُوَ (لَنَا) أَوْ فِي الْوُجُودِ الْحَذْفُ الْمُطَّرِدُ وَمَا دَلَّ عَلَيْهِ تَوْحِيدُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ثُمَّ حُذِفَ الْمُبْتَدَأُ حَذْفَ الْمَوْصُوفِ كَالْعَدَدِ إِذَا كَانَ مَعْلُومًا كَقَوْلِكَ: عِنْدِي ثَلَاثَةٌ أي دراهم وقد علم بقرينة قوله: {إنما الله إله واحد}.
وَقَدْ عُورِضَ هَذَا بِأَنَّ نَفْيَ وُجُودِ ثَلَاثَةٍ لَا يَنْفِي وُجُودَ إِلَهَيْنِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ تَقْدِيرَهُ (آلِهَتُنَا ثَلَاثَةٌ) يُوجِبُ ثُبُوتَ الْآلِهَةِ وَتَقْدِيرُ (لَنَا آلِهَةٌ) لَا يُوجِبُ ثُبُوتَ إِلَهَيْنِ فَعُورِضَ بِأَنَّهُ كَمَا لَا يُوجِبُهُ فَلَا يَنْفِيهِ.
فَأُجِيبَ بِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَنْفِهِ فَقَدْ نَفَاهُ مَا بَعْدَهُ من قوله: {إنما الله إله واحد} فَعُورِضَ بِأَنَّ مَا بَعْدَهُ إِنْ نَفَى ثُبُوتَ إِلَهَيْنِ فَكَيْفَ ثُبُوتُ آلِهَةٍ!.
فَأَجَابَ بِأَنَّهُ لَا يَنْفِيهِ وَلَكِنْ يُنَاقِضُهُ لِأَنَّ تَقْدِيرَ آلِهَتُنَا ثَلَاثَةٌ يُثْبِتُ وُجُودَ إِلَهَيْنِ لِانْصِرَافِ النَّفْيِ فِي الْخَبَرِ عَنْهُ بِخِلَافِ تَقْدِيرِ: (لَنَا آلِهَةٌ ثَلَاثَةٌ)، فَإِنَّهُ لَا يُثْبِتُ وُجُودَ إِلَهَيْنِ لِانْصِرَافِ النَّفْيِ إِلَى أَصْلِ الْإِثْبَاتِ لِلْآلِهَةِ.
وَفِي أَجْوِبَةِ هَذِهِ الْمُقَدِّمَاتِ نَظَرٌ.
قُلْتُ: وَذَكَرَ ابْنُ جِنِّي أَنَّ الْآيَةَ مِنْ حَذْفِ الْمُضَافِ أَيْ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ لِقَوْلِهِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثلاثة}.

.حذف الخبر:

نحو: {أكلها دائم وظلها}، أي دَائِمٌ.
وَقَوْلُهُ فِي سُورَةِ (ص) بَعْدَ ذِكْرِ مَنِ اقْتَصَّ ذِكْرَهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، فَقَالَ: {هَذَا ذكر} ثُمَّ لَمَّا ذَكَرَ مَصِيرَهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ وَمَا أَعَدَّ لَهُمْ فِيهَا مِنَ النَّعِيمِ قَالَ: {هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ المهاد هذا} قَدْ أَشَارَتِ الْآيَةُ إِلَى مَآلِ أَمْرِ الطَّاغِينَ وَمِنْهُ يُفْهَمُ الْخَبَرُ.
وَقَوْلُهُ: {أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ} أَيْ أَهَذَا خَيْرٌ أَمَّنْ جَعَلَ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا وَقَسَا قَلْبُهُ فَحُذِفَ بِدَلِيلِ قَوْلُهُ: {فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ}.
وقوله تعالى: {قالوا لا ضير} {ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت}.
وقوله: {والسارق والسارقة فاقطعوا} قَالَ سِيبَوَيْهِ: الْخَبَرُ مَحْذُوفٌ أَيْ فِيمَا أَتْلُوهُ السَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ وَجَاءَ (فَاقْطَعُوا) جُمْلَةٌ أُخْرَى. وَكَذَا قوله: {الزانية والزاني} فِيمَا نَقُصُّ لَكُمْ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: السَّارِقُ مُبْتَدَأٌ فَاقْطَعُوا خَبَرُهُ وَجَازَ ذَلِكَ لِأَنَّ الِاسْمَ عَامٌّ فَإِنَّهُ لَا يُرِيدُ.
بِهِ سَارِقًا مَخْصُوصًا فَصَارَ كَأَسْمَاءِ الشَّرْطِ تَدْخُلُ الْفَاءُ فِي خَبَرِهَا لِعُمُومِهَا وَإِنَّمَا قَدَّرَ سِيبَوَيْهِ ذَلِكَ لِجَعْلِ الْخَبَرِ أَمْرًا وَإِذَا ثَبَتَ الْإِضْمَارُ فَالْفَاءُ دَاخِلَةٌ فِي مَوْضِعِهَا تَرْبُطُ بَيْنَ الْجُمْلَتَيْنِ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ عَلَى الْإِضْمَارِ إِجْمَاعُ الْقُرَّاءِ عَلَى الرَّفْعِ مَعَ أَنَّ الْأَمْرَ الِاخْتِيَارِيَّ فِيهِ النَّصْبُ قَالَ وَقَدْ قَرَأَ نَاسٌ بِالنَّصْبِ ارْتِكَانًا لِلْوَجْهِ الْقَوِيِّ فِي الْعَرَبِيَّةِ وَلَكِنْ أَبَتِ الْعَامَّةُ إِلَّا الرَّفْعَ. وَكَذَا قَالَ فِي قَوْلِهِ تعالى: {مثل الجنة التي وعد المتقون}: مَثَلُ، هُنَا خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ فِيمَا نقض عَلَيْكُمْ مَثَلُ الْجَنَّةِ وَكَذَا قَالَ أَيْضًا فِي قوله تعالى: {والذان يأتيانها منكم فآذوهما}: إِنَّهُ عَلَى الْإِضْمَارِ.
وَقَدْ رُدَّ بِأَنَّهُ أَيُّ ضَرُورَةٍ تَدْعُو إِلَيْهِ هُنَا فَإِنَّهُ إِنَّمَا صِرْنَا إِلَيْهِ فِي السَّارِقِ وَنَحْوِهِ لِتَقْدِيرِهِ دُخُولَ الْفَاءِ فِي الْخَبَرِ فَاحْتِيجَ لِلْإِضْمَارِ حَتَّى تَكُونَ الْفَاءُ عَلَى بَابِهَا فِي الرَّبْطِ وَأَمَّا هَذَا فَقَدَ وُصِلَ بِفِعْلٍ هُوَ بِمَنْزِلَةِ الَّذِي يَأْتِيكَ فَلَهُ دِرْهَمٌ.
وَأَجَابَ الصَّفَّارُ بِأَنَّ الَّذِي حَمَلَهُ عَلَى هَذَا أَنَّ الْأَمْرَ دَائِرٌ مَعَ الضَّرُورَةِ كَيْفَ كان لأنه إذا أضمر فقد تكلف وَإِنْ لَمْ يُضْمِرْ كَانَ الِاسْمُ مَرْفُوعًا وَبَعْدَهُ الْأَمْرُ فَهُوَ قَلِيلٌ بِالنَّظَرِ (إِلَى لِلَّذَينِ يَأْتِيَانِهَا) فَكَيْفَمَا عَمِلَ لَمْ يَخْلُ مِنْ قُبْحٍ.
وَإِنْ قُدِّرَ مَنْصُوبًا وَجَاءَ الْقُرْآنُ بِالْأَلِفِ عَلَى لُغَةِ مَنْ يَقُولُ (الزَّيْدَانِ) فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ وَقَعَ أَيْضًا فِي مَحْذُورٍ آخَرَ فَلِهَذَا قَدَّرَهُ هَذَا التَّقْدِيرَ لِأَنَّ الْإِضْمَارَ مَعَ الرَّفْعِ يَتَكَافَآنِ.
وَقَوْلُهُ: {إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم} الْخَبَرُ مَحْذُوفٌ أَيْ يُعَذِّبُونَ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الخبر: {أولئك ينادون من مكان بعيد}.
وقوله: {لولا أنتم لكنا مؤمنين}، فَأَنْتُمْ مُبْتَدَأٌ وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ أَيْ حَاضِرُونَ وَهُوَ لَازِمُ الْحَذْفِ هُنَا.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكتاب من قبلكم}، أَيْ حِلٌّ لَكُمْ كَذَلِكَ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: {وقالت اليهود عزير ابن الله}، أَمَّا عَلَى قِرَاءَةِ التَّنْوِينِ فَلَا حَذْفَ لِأَنَّهُ يجعله مبتدأ (وابن اللَّهِ) خَبَرٌ حِكَايَةً عَنْ مَقَالَةِ الْيَهُودِ وَأَمَّا عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ لَمْ يُنَوِّنْ فَقِيلَ: إِنَّهُ صفة والخبر محذوف أي عزيز ابْنُ اللَّهِ إِلَهُنَا وَقِيلَ: بَلِ الْمُبْتَدَأُ مَحْذُوفٌ أي إلهنا عزيز وَابْنُ صِفَةٌ.
وَرُدَّ بِوَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَا يطابق: {وقالت النصارى المسيح ابن الله}.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ التَّكْذِيبُ لَيْسَ عَائِدًا إِلَى الْبُنُوَّةِ فَكُذِّبَ لِأَنَّ صِدْقَ الْخَبَرِ وَكَذِبَهُ رَاجِعٌ إِلَى نِسْبَةِ الْخَبَرِ لَا إلى الصف فَلَوْ قِيلَ زَيْدٌ الْقَائِمُ فَقِيهٌ فَكُذِّبَ انْصَرَفَ التَّكْذِيبُ لِإِسْنَادِ فِقْهِهِ لَا لِوَصْفِهِ بِالْقَائِمِ.
وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الصِّفَةَ لَيْسَتْ إِنْشَاءً فَهِيَ خَبَرٌ إِلَّا أَنَّهَا غَيْرُ تَامَّةِ الْإِفَادَةِ فَيَصِحُّ تَكْذِيبُهَا وَالْأَوْلَى تَقْوِيَتُهُ وَأَنْ يُقَالَ الصِّفَةُ وَالْإِضَافَةُ وَنَحْوُهُمَا فِي الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ لَوَاحِقٌ بِصُورَةِ الْإِفْرَادِ أَيْ يُرِيدُ أَنْ يُصَوِّرَهُ بِهَيْئَةٍ خَاصَّةٍ وَيَحْكُمَ عَلَيْهِ كَذَلِكَ لَكِنْ لَا سَبِيلَ إِلَى كَذِبِهَا مَعَ أَنَّهَا تُصُوِّرَتْ فَالْوَجْهُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ كَذِبَ الصِّفَةِ بِإِسْنَادِ مُسْنَدِهَا إِلَى مَعْدُومِ الثُّبُوتِ وَنَظِيرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْفِقْهِ مَا لَوْ قَالَ وَاللَّهِ لَا أَشْرَبُ مَاءَ هَذَا الْكُوزِ وَلَا مَاءَ فِيهِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: {عزير ابن الله} خَبَرُ الْجُمْلَةِ أَيْ حَكَى فِيهِ لَفْظَهُمْ أَيْ قَالُوا هَذِهِ الْعِبَارَةَ الْقَبِيحَةَ وَحِينَئِذٍ فَلَا يُقَدَّرُ خَبَرٌ وَلَا مُبْتَدَأٌ.
وَقِيلَ: (ابْنُ اللَّهِ) خَبَرٌ وَحُذِفَ التَّنْوِينُ مِنْ (عُزَيْرُ) لِلْعُجْمَةِ وَالْعَلَمِيَّةِ.
وَقِيلَ: حُذِفَ تَنْوِينُهُ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ لِأَنَّ الصِّفَةَ مَعَ الْمَوْصُوفِ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ كَقِرَاءَةِ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أحد الله الصمد} على إراد التَّنْوِينِ بَلْ هُنَا أَوْضَحُ لِأَنَّهُ فِي جُمْلَةٍ وَاحِدَةٍ.
وَقِيلَ: (ابْنُ اللَّهِ) نَعْتٌ وَلَا مَحْذُوفَ وَكَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَكَى أَنَّهُمْ ذَكَرُوا هَذَا اللفظ إنكارا عليهم إلا أن فيه نعتا لِأَنَّ سِيبَوَيْهِ قَالَ إِنْ قُلْتَ وَضَعَتْهُ الْعَرَبُ لِتَحْكِيَ بِهِ مَا كَانَ كَلَامًا لَا قَوْلًا وَأَيْضًا إِنَّهُ لَا يُطَابِقُ قَوْلَهُ: {وَقَالَتِ النَّصَارَى المسيح ابن الله} وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ خَبَرٌ وَالْقَوْلَانِ مَنْقُولَانِ.
وَالصَّحِيحُ فِي هَذِهِ الْقِرَاءَةِ أَنَّهُ لَيْسَ الْغَرَضُ إِلَّا أَنَّ الْيَهُودَ قَدْ بَلَغُوا فِي رُسُوخِ الِاعْتِقَادِ فِي هَذَا الشَّيْءِ إِلَى أَنْ يَذْكُرُونَ هَذَا النُّكْرَ كَمَا تَقُولُ فِي قَوْمٍ تَغَالُوا فِي تَعْظِيمِ صَاحِبِهِمْ أَرَاهُمُ اعْتَقَدُوا فِيهِ أَمْرًا عَظِيمًا ثَابِتًا يَقُولُونَ: زَيْدٌ الْأَمِيرُ!.